معالم في سِيرة
د . محمد المختار المهدي …
” التَّكوين الثَّقافي والأسلوب العلمي ”
بقلم
د/ محمد مبارك البنداري
إذا كان أغلب الناس يأتون إلى هذه الدنيا ويغادرونها ولا يشعر بهم سوى عشرات – في أفضل الحالات – من المحيطين بهم من الأهل والأقارب والأصدقاء ؛ فإن قلة هم أولئك الذين يشغل أغلب الناس بهم في حياتهم ومن بعد مماتهم ، وعلى رأسهم دعاة الإصلاح والتجديد من رواة الفكر وقادة الرأي ، خاصة علماء الأزهر الشريف الذين يناط بهم افتتاح عهود جديدة في تاريخ الأمة ، فأمثال هؤلاء لا يغادرون الحياة إلا بعد أن يحدثوا فيها من الحوادث ، ويتركوا من الإنجازات الفكرية والمادية التي تكون سببًا في خلود ذكرهم ، وتوفر مادة لاختلاف الناس في أمرهم جيلًا من بعد جيل ، بين فريق ينصر ويشايع ، وآخر ينقض ويعارض وهؤلاء الأنصار وأولئك المعارضون يوجدون عادة في أكثر من مصر ، ولا يقع عددهم غالبًا تحت الحصر .
والدكتور محمد المختار المهدي – رحمه الله – واحد من كبار العلماء المجتهدين ، والدعاة المخلصين ، ليس في مصر وحدها ، بل ربما في تاريخ الإسلام المعاصر ، وقصدنا في هذا المقال إلقاء الضوء على أسلوب الشيخ د . محمد المختار المهدى – رحمه الله – ، وبالطبع أسلوبه صدى لمصادر تكوينه الفكري والثقافي – الذى تحدثنا عن بعض ملامحه في المقال السابق – ، وبيان مصادر تكوينه الثقافي والفكري يعد شرطًا ضروريًّا يوصي به منهج السيرة الحياتية الذى يضرب بجذوره في التراث الديني الإسلامي والأدبي العربي ، وجرى تطويره في سياق تطور العلوم الاجتماعية المعاصرة ، ومنها على وجه الخصوص علم اجتماع المعرفة ، أو ما يمكن أن نسميه ” السيرة الذاتيّة ” ، ومن شأن الأخذ بهذا المنهج أن يساعدنا في الوصول إلى فهم أفضل للاجتهادات الفكرية واللغوية والرؤى الإصلاحية والتجديدية للتراث والواقع الإسلامي المعاصر التى قدمها د . محمد المختار المهدي طول حياته ؛ ولذا أقترح على الباحثين دراسة آثار د. المهدى في رسالة علمية ، تجمع حياته وأسلوبه العلمي ، ومنهجه في الدعوة إلى الله ، ودوره في رئاسة الجمعية الشرعية .
وعلى أية حال فليس مهمتنا في هذا المقال الإلمام بكل آثاره العلمية وتحليلها ، أو الكتابة عن رئاسته للجمعية الشرعية، وجهوده الدعوية والخدمية ؛ فهذا متروك لأهله من أبناء الجمعية الشرعية ، ولا التّطرق كذلك إلى رؤى وأفكار الدكتور محمد المختار المهدي – رحمه الله – بشأن قضايا محددة من القضايا التي انشغل بها ، فمثل هذه الموضوعات ليس مجالها المقالات ، وتخرجنا غالبًا عن الهدف المنشود .
وفى سبيل إدراك هدفنا في هذا المقال نؤكد ثانية على دور الأزهر في تكوين الشيخ علميًّا ، فإذا كان الُمناخ الثقافي يعدّ مصدرًا تلقائيًا للتكوين الثقافي والوجداني للفرد؛ فإن النظام التعليمي الرسمي في الأزهر الشريف يعتبر مصدرًا للإسهام المنتظم في هذا التكوين ، أما القراءات الحرة وكذا المطالعات الذاتية للشيخ في مجالات العلم وفى فروعه المختلفة ؛ فإنها تعتبر من المصادر الخاصة للتكوين الفكري والثقافي للدكتور المختار المهدى – رحمه الله – ، وتتوقف الإفادة من هذا المصدر على قدرات الفرد الذاتية سواء كانت قدرات مادية أم عقلية ذهنية ، وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم .
إذن كانت مصادره الفكرية والثقافية التي استقى منها العلم حينًا في مجالس العلم بالجامع الأزهر ، وفى أروقة الجامعة ، وراغبًا مختارًا حينًا آخر وهو يبحث بنفسه عن مصادر العلم والمعرفة لدى العلماء الذين أنسَ بهم ، وثنى الرّكب أمامهم ، أو وجدها في بطون الكتب ؟ ، وهناك بالطبع عوامل أخرى وُجدت فأنتجت عالمًا مثله بالمعنى الذى يشير إليه مفهوم العالم في التراث الإسلاميّ ، وهو أوسع من المفهوم التقليدي للعالم المقلد ، وأشمل من مفهوم المثقف الحديث
، فالعالم في الرؤية الإسلامية يجب أن يكون من ورثة الأنبياء في حمل أمانة العلم وإبلاغه، وفى دعوة الناس إليه والعمل به في تبصيرهم وتنويرهم بما يصلح أمر دنياهم ودينهم بتوازن ووسطيّة ، وكذلك في قدرته على ممارسة المهمّات الثلاث الرئيسة للعالم ، وهي :
1- تثبيت أصول العقيدة بتجلية أصولها ، وهذا نجده كثيرًا في محاضراته ، ومقالاته – رحمه الله تعالى – .
وأول أصل من أصول العقيدة التمسك بكتاب الله – عزّ وجلّ – ومدارسته وفهمه فهمًا صحيحًا ، يقول د . محمد المختار المهدي فى مقال له عن أعداء الرسالة المحمدية : ” إنهم يدركون أثر الكتاب الخاتم فى مجابهة الكفر، وكلما قرأ أحد منهم آية مما نزل فيه زادهم إقداماً على العدوان والطغيان، ويأتي تنبيه القرآن عن هذه الحقيـــقة مرتين بلفظ واحــــــد، قال تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً﴾ (المائدة-64: والمائدة :68 ) .
2 – دحض الشبهات التي تثار حولها ، فيقول مثلا في مقال له يدحض بعض الشّبهات حول العقيدة : ” إن ما رأيته في ولاية نيورك بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة أشهر من عدم التعاون بين مساجدها وتصنيف كل مسجد على حساب انتماء أصحابه إلى فكر معين مما يصد غير المسلمين عن الدخول في هذا الدين ، ومما يشجع النشطين في إثارة الشبهات حول الإسلام أن ينشروا أضاليلهم .. ويا هول ما سمعت على موقع من مواقع الإنترنت يستضيفني أحيانا لأرد على بعض الشبهات المثارة في أمريكا ، إذا سألني أحدهم : ليس هناك فرق بيننا وبينكم في قضية التوحيد فنحن نقول : بسم الآب والابن والروح القدس وأنتم تقولون : توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات … فالتوحيد عندنا وعندكم ثلاثة … وهنا تبينت أهمية الدعوة إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أسلوب القرىن الكريم في الدعوة إلى الإيمان عن طريق الآيات والآلاء ” ( مجلة تبيان ع 2 سبتمبر 2011م ) .
3 – تجديد الخطاب المشتق منها بما يناسب ظروف العصر والمصر ، وقد تناول تجديد الخطاب الديني في أكثر من مقال ، ومن أمثلة ذلك : مقالاته التي بعنوان ” كيف نجدد الخطاب الديني “ ، يقول في مقدمة المقال : ” لا يخفى ما يدور على الساحة الإسلامية من فتن ومحن ، وبلبلة للفكر ، وزعزعة لثوابت الأمة ن وتدخل سافر في أعز ما تملك ، وغزو ثقافي يستهدف طمس الهوية ، ومحو الخصوصية ، وإجبارنا على السير في ركاب الحضارة الغربية … بمفاسدها قبل مباهجها ، بشرها قبل خيرها … نساق إلى ذلك سوقا بعدة وسائل منها ما هو ظاهر جلى ومنها ما هو مستتر خفى ”
وفى داخل المقال يحاول الإمام الإجابة على السؤال الذى طرحه : ” كيف نجدد هذا الخطاب ليكون معبرا عن صحيح الدين ”
ويؤكد أن الإسلام دين مكتمل لا يقبل الزيادة ويتأبى على النقص أو التحريف ” ( عدد 2 السنة الأولى 3 سبتمبر 2011م مجلة تبيان ) .
وقال في نهاية مقال له : ” هذا هو التجديد المطلوب في الفكر الديني في مجال الإيمان بالله وإلى حديث قادم بعون اله نستكمل عناصر الإيمان ”
وقد ظهر التزامه بالكتاب والسنة وصحيح اللغة في كتاباته ومحاضراته ؛ من حيث غلبة الصيغة الإسلامية على أفكاره وموضوعاته اللغوية ، والمعاصرة ، فكان كثيرًا ما يستشهد بالآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وعيون الشعر العربي ، خاصة أبيات الاستشهاد والحكمة ، وهذه الصفة تجعله كاتبًا إسلاميا ملتزمًا بالإسلام فيما يكتب وفيما يعالج من قضايا وموضوعات و موضوعات ، كما كان صاحب رسالة تدعو المجتمع إلى النهوض والتقدم ، ولهذا كنا نجده يبتعد عن تناول الأفكار الهابطة ، وعن تجريح الآخرين ، وينطلق في أفكاره وآرائه من خلال نظرته الإسلامية الشاملة .
لقد ترك الشيخ الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدى – رحمه الله – إرثا علميا ضخما من العطاء والبذل في ميادين العلم والدعوة ، والكثير منها في ” مجلة التبيان” لسال حال الجمعية الشرعية ، و” صحيفة عقيدتي ” ، ومجلات كليات الدراسات الإسلامية والعربية واللغة العربية ، بيد أن الموجود حاليا والمتداول لا يوازى مكانته العلمية والعملية التي تقلدها .
ولعل انشغاله المستمر بتلك المهام التي كلف بها طوال حياته العملية – رحمه الله – كانت سببا في قلة إنتاجه العلمي ، ثم هو – رحمه الله – انشغل عن التصنيف والتأليف بما هو أهم خدمة المسلمين ، وما يتصل بجانب التعليم المباشر والدعوة والتوجيه .
ولكن على الرغم من ذلك فبين أيدينا بفضل الله تعالى عدد مبارك من التصانيف والتأليف في عدد من العلوم اللغوية والشرعية ، والقضايا المعاصرة ، والوقائع والمستجدات ، والنصائح والتوجيهات .
ومن سمات ومميزات أسلوبه وضوح المعاني وسهولة إدراكها ، فهو لغويّ متمكن أمكن من ناصية اللغة ، وصاحب فكر مستنير لا التواء فيه ولا اعوجاج ولا إبهام ولا غموض .
ويتميز أسلوب د . محمد المختار المهدي – رحمه الله – بأنه يجمع في معانيه بين الأصالة والمعاصرة ، ففي الماضي تراث مجيد ، وقيم دافعة للمجد والرقيّ ، كما أن في النظر للحاضر والانتفاع بمعطياته قدرة على البقاء والاستمرار ، وهو يعتز كثيرًا بتراثه العربي والإسلامي ، ومن لا ماضي له لا حاضر له ، فالماضي هو النور الذى يضئ آفاق المستقبل .
ومما يتميز به أسلوب د . محمد المختار المهدي – رحمه الله – عمق النظرة والتحليل واستقصاء أطراف الموضوع الذى يتحدث عنه، مع تسلسل الأفكار والحرص على إقناع القارئ بالبراهين والحجج .
ويستطيع القارئ الكريم أن يجد ذلك واضحا عند قراءته لكتابه : ” القصة والأمثال في القرآن الكريم ” ، أو أي مقال من مقالاته في مجلة التبيان أو عقيدتي أو غيرهما من الصحف والمجلات ، أو أي من محاضراته ولقاءاته الفكرية .
ولا جَرم أن يلتزم الشيخ بالنزعة الاسلامية ” الوسطية ” في سائر عطائه في اللغة والدعوة بالرغم من اطلاعه على العديد من التيارات المعاصرة في مصر والعالم الاسلامي كالتكفير والهجرة والجماعات الإسلامية … إلخ ، ورغم قضاء جزء من حياته خارج وطنه في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وهذه السمة هي الغالبة على علماء الأزهر ؛ لما لهذه المؤسسة من مكانة دينية وتاريخية ، وقيامها على أساس العقيدة الصحيحة وإحياء التراث الإسلامي .
وكان الشيخ د . محمد المختار المهدى – رحمه الله – يُصحح في مقالاته الأخطاء اللغوية ، والفهم الخاطئ لدلالات الألفاظ وتحريف معناها ، خاصة إذا ارتبطت بالشريعة الإسلامية فنجد مقال بعنوان “ والفتنة أشد من القتل ” ، يصحح فيه مفهوم كلمة الفتنة لدى العامة وبعض الكتّاب ، فيقول في مطلع المقال : ” ففى هذه الأيام التى يموج فيها الجهل بدين الله تسري بين العلماء قضية الفتنة فيفهمونها على خلاف مرادها من كتاب الله ولغته التى نزلت بها ، وهذا ما دعانى إلى استطلاع ما ورد من هذا اللفظ في القرآن الكريم وسياقه في أكثر من ثلاثين موضعا ، محاولا أن أصل إلى المعنى الحقيقى الذى يربط هذا اللفظ بأصل واحد تتفرع هنه بقية المعانى ” ( مقال في تبيان ع 130 مارس 2015 ) .
وهو- هنا – يبحث كابن فارس – رحمه الله – صاحب معجم مقاييس اللغة عن دوران المادة حول أصل واحد يجمعها ، وهذه فلسفة جميلة للغة العربية لا يعرفها إلا المتمكن الأمكن من ناصية اللغة .
ونجد أنه بعد الشرح والاستدلال بالقرآن الكريم ، يلخص في نهاية مقاله ما توصل إليه فيقول : ” الخلاصة:
-1 أن المعنى الحقيقى للفتنة هو امتحان واختبار فى النعم وفى النقم.
-2 الفتنة قد تطلق على آثارها السيئة فى الانحدار بالخلق والمثل إلى الهاوية.
-3 الفتنة محاولة إخراج الناس من دينهم وذلك يتنافى مع الحرية.. والجهاد يقضى على ذلك.
-4 يدخل فى معنى الفتنة موالاة الأعداء، والنفاق، وسماع المنكرات أو مشاهدتها.
-5 قد تطلق الفتنة على أسبابها كالسحر والتضليل والإغراء، ونشر الشبهات.
-6 سلوك المسلمين مع غير ما شرع الله يتمثل فى الدعاء بقوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (الممتحنة: 5( ، أعاننا الله على تجنب الفتن ما ظهر منها وما بطن.”
ونجده – أيضًا – يركز دائما على الفهم اللغوي الصحيح حسب السياق ، ويتحدث أنّ سوء فهم كتاب الله قد يكون سببه الوقف الخاطئ ، ففي مقال ” لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ” ( ع 136 مجلة تبيان ) : ، يقول في مطلعه : إن كثيرًا من الناس يفهم تلك الآية الكريمة على غير مرادها، وليس هذا غريبا الآن فقد التبس فهمها على بعض الصحابة فسألوا النبي ﷺ عنها إذ يمكن فهمها على انزواء المؤمن عن الناس والاكتفاء بعوامل الهدى لنفسه: يصلى، ويصوم ويذكر الله ويتلو القرآن الكريم ويزكى عن ماله ويحج البيت إن استطاع كل عام، ولن يحاسب إلا على ذلك وليس له علاقة بغيره ممن ضل عن سواء السبيل، وهؤلاء الضالون لو أرادوا إضرارهم فإن الله سيتولى الدفاع عنهم لأنه ولى الذين آمنوا ولا يعجزه شيء وقد أهلك الظلمة والمعتدين من أقوام الرسل السابقين فدمرهم تدميرا.. وإذن فالمطلوب منهم الدعاء على هؤلاء الضالين وطاعة رب العالمين. مع أن من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
يأتى هذا الفهم القاصر فى إطار الوقوف عند بعض الآيات وترك ما يكملها.. فاتباع الهوى ومنه تفضيل هذا الانزواء منهى عنه فى كتاب الله فى مقابل الاهتداء، قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ (محمد: 61-71) .
وإيثار المرء الراحة فى البيوت وعدم القيام بواجب الإصلاح والنصح خوفا من آثار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو عين اتباع الهوى.. والانكباب على الشهوات ولو كانت مباحة والبخل عن الوفاء بمصالح المسلمين وتخصيص أوقاتهم وأموالهم لأنفسهم وأولادهم مع ما يرونه من بؤس ويتم وشقاء وشح وبخل ذمه الله ورسوله قال تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنَّ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: 38) والفخر والإعجاب والخيلاء والتعالى على خلق الله ضرب الله له الأمثال فى كتابه؛ فقارون خرج فى زينته وقال إنما أوتيته على علم عندى فخسف الله به الأرض، وصاحب الجنتين أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها..
…….
وليس معنى ترك العامة فى الحديثين ألا ننصح ونأمر وننهى، ولكن معناه ألا نسايرهم فيما هم عليه، فلا نكون من الإمعات إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، ولكن علينا أن نجتنب إساءتهم.”
ويبيّن دور السياق في فهم النص ّ ، وأنه المسئول عن الفهم الخاطئ ، فالسياق بمثابة صمام الأمان – كما يقول أولمان في دور الكلمة – ، يقول د . محمد المختار المهدى – رحمه الله – في خاتمة مقاله : ” هكذا يجب أن نجمع النصوص فى الموضوع الواحد من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ حتى يأتى حكمنا على المجموع لا على النص الذى نراه يسير مع ما نشتهى ونريد، ونجادل ونضلل العامة فيتعصبون لما سمعوا. وتحدث بينهم وبين الآخرين فجوة تؤدى إلى إقصائهم وإعجاب الأولين بآرائهم والسير على منهج فرعون: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29(فهذا طريق الأثرة والأنانية واستغلال الظروف لنيل ما يبتغون من الدنيا المؤثرة والهوى المتبع. ”
ونجده في مقال ” لمحات قرآنية في مواجهة من يعادى الرسالة المحمدية ” ( تبيان ع 137 أكتوبر 2015م) ، يتناول لفظ الود ومشتقاته في القرآن الكريم ، يقول في مطلع المقال :
لقد اهتم القرآن الكريم ببيان ما يدور فى صدور أعدائه مما لا يستطيعه بشر؛ مساعدةً للأمة فى الحذر واليقظة عند التعامل معهم، من منطلق الإيمان بقوله سبحانه: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ (النساء). 45:
من هنا، وجدنا القرآن الكريم فى كثير من آياته يعبر عما فى نفوس أعدائه بفعل (الود) ومشتقاته. و(الودُّ) عمل قلبى يتحكم فى تصرفات المرء نحو هذا المودود، فنجده مثلاً يقول عنهم: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ (آل عمران)118:، ويقـــول: ﴿هَاأَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾ (آل عمران:911) إنهم إذن يريدون لنا المشقة والعنت والفقر والنكد والفرقة والتشاحن. ”
ولا بأس أن يتحدث عن الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، يقول في هذا المقال : ” … ومن هنا ندرك الإعجاز القرآنى فى التعبير عن هذا بالمستقبل وبالقسم فى قوله: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ﴾ فهذه الآية كان يقرأها المصطفى ﷺ وأصحابه بصيغة المستقبل ونحن اليوم نقرأها كذلك كما جاء فى التعبير عن عداوة اليـــــــهود والمشركين فى قوله: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ (المائدة).83:
….
إن على الأمة إدراك هذه اللمحات القرآنية في فهم واقعهم ومستقبلهم ورسالتهم وصراعهم مع الباطل وطمأنة الله لهم بأن النصر من عنـــده لمن يستحقه ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم). 47:
وعلينا في سبيل ذلك أن نطهر داخلنا من المنافقين الموالين لأعداء الله، ونطهر أموالنا من الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وعدم الاغترار بعلم الغرب والشرق المنكر للوحي المتنكر للمبادئ والأخلاق الإســــلامية، والمعاكس للفطرة النقية ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم) 30: مع القضاء على أسباب الوهن بالعقيدة والإيمان.
ثم علينا مع ذلك الاستعداد والإعداد بما نملك وبأقصى ما نستطيع من قوة لنرهب الأعداء ونحقق الأمن والسلام لنا وللعالم كله؛ إذ قوة المسلمين قوة معصومة من العدوان هادفة إلى العدل حتى مع الأعداء مهتدية بما بعث من أجله المصطفى ﷺ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ( الأنبياء:107 ) .
واما أسلوبه في كتابه القصة والأمثال في القرآن الكريم ” فسوف نفرد له حلقة خاصة بإذن الله
، بيد أنني أسجل أمنيّة في ختام هذه اللمحة اليسيرة عن أسلوب الشيخ د . محمد المختار المهدي ، أتمنى من طلاب العلم وخطّاب التجديد – من أبناء الجيل الحاضر أو القادم – خاصة في الأزهر الشريف ، ان يدرسوا صورة الدكتور محمد المختار المهدى على النحو الذى قدمنا جزءا منه ، وأن يرجعوا إلى ما قدمه هو من اجتهادات لغوية وفكرية وفقهية – أحيانا – ، ورؤى إصلاحية وتجديدية ، ويجيلوا النظر فيها لا على أنها الصواب الذي لا يداخله الخطأ ، ولا على أنها الخطأ الذى لا يعرف الصواب ، وإنما على أنها ثمرة اجتهاد عالم كبير ، وحبُّ حصيدٍ كابد من أجل الوصول إليه عشرات السنين .
أما تقدير إسهاماته وما يؤخذ منها وما يترك ، وكيف يمكن الإفادة منها في معالجة مشكلات الواقع – مما يفرد له بحوث مستقلة – فمسائل تجيب عنها البحوث الدقيقة التي نأمل أن تبدأ من الآن ، ومطارحات العلماء والباحثين المنضبة بقواعد البحث والنظر والاستقامة العلمية التي تعطى كل ذي حق حقه ولا تبخس الناس أشياءهم .
ومهما يك من شي سيظل ما قدمه على أية حال موضعًا للبحث العلمي ومادة تغذي مطارحات العلماء ، وتشحذ قرائحهم في تأييده أو الاختلاف معه، وسيظل هو في الحالين – ” الإمام الشيخ ” فهذا لقبه في الجمعية ، ولقب الإمام من أقدم الألقاب التي عرفها التراث الإسلامي إذ بدأ استخدامه مذ فرضت الصلوات الخمس ، وأطلق في البداية على الذى يؤم الناس فيها ويأتمون هم به ثم توسعت دلالته فأطلق على الخليفة ، وإمام الناس – من الناحية اللغوية – : هو سابقهم وقدوتهم الذى يتبعونه في أقواله وأعماله .
ولا غرو فقد كان الشيخ إمامًا في الدين واللغة عالمًا ومعلمًا وإن لم يكن إمامًا في السياسة ، إضافة إلى لقب ” الدكتوراة ” ؛ لأنه حصل على ” العالمية ” ، ولقب ” الشيخ ” يحصل عليه كل من تخرج في الأزهر الشريف؛ وكلها تعبّر بدقة لا بأس بها عن شخصيته ، وتشير إلى مكانته وموقعه في مسار النهضة في التاريخ الحديث للأمّة الإسلامية ، وليس فقط في تاريخ مصر المعاصر .
والدكتور محمد المختار المهددى – رحمه الله – يستحق أن نفرد له دراسات مستقلة ، فقد كان همه إصلاح الزمن الإسلامي انطلاقا من صميم التكوين العقدي والحضاري لهذا الزمن ، ووقف – رحمه الله – حياته من أجل الدعوة ، وتحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين وكيفية التجديد فيه على طريقة سلف هذه الأمة .
د . محمد المختار المهدى …
فارسٌ هــــمُّـــــهُ الكَلِمَة
” قراءة في منجزه العلميّ ”
بقلم
د/ محمد مبارك البندارى[1]
حين أتناولُ القلم لأكتب عن أستاذي د . محمد المختار المهدى – رحمه الله – الإنسان ، وعالم اللغة ، فيكفى أن نقولَ عنه : المختار المهدى المؤمن العالم العامل ، الأزهريّ اللغويّ المتمكِّن الأمكن من ناصيةِ اللُّغةِ ؛ وذلك أمّ تمام كمالِ الإنسان أنْ يكون مؤمنًا ، يحترمُ عقله ويجلّ تفكيره عن التردِّي في مهاوي الضَّلال ومتاهات الهَوان .
وأستهلُّ – أيضًا – مقالي بالتأكيد بأنَّ الدافع للكتابةِ عن شيخنا خَصيصة التَّواصل والوفاء بين طلَّاب المعرفةِ عامّة في مصر ، وخاصّة في الأزهرِ الشَّريف ، فطيلتْ عملي في التَّدريس الجامعيّ أكثر من خمس عشرة سنة تملى علىّ أن أقول : إنَّ من أبرز ما تتميّز به أسرة التَّعليم الجامعي الأزهريّ في بلادِنا خاصَّة ، ومن يعمل بالتَّعليم والثَّقافة عامَّة ، تواصلهم المبنيّ علي استشعار الإيثار والمحبّة والوفاءِ ، وتجسيد ذلك في تصرّفاتهم وآثارهم ، ولا غرابة في مجتمعٍ ينتمي إلى مؤسسةٍ يفتخرُ بها التَّاريخ ؛ حيث شرف المكانِ واللسانِ وحمل رسَالة الإسلام ، في الأزهر الشريف .
[1] – محمد مبارك الشاذلى محمد البندارى ، من محافظة قنا ، حفظ القرآن في سنّ مبكرة ، وكان الأول على أقرانه في الثانوية ، شيستخرج في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا، شعبك\ة اللغة العربية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ، وحصل على التخصص ” الماجستير ” في أصول اللغة العربية بتقدير ممتاز من جامعة الأزهر كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة عن أطروحته ” ديوان الحطيئة دراسة دلالية معجميّة ” ، والعالمية ” الدكتوراة ” بمرتبة الشرف الأولى بعنوان ” الفكر الصوتي والدلالى عند الصالحي الشامي في ضوء علم اللغة الحديث ” 2006 م ، يعمل حاليا عضو هيئة تدريس في جامعتى الأزهر وأم القري بمكة ، ومن أبحاثه العلمية : الغزو الثقافي عند القصيبي مواجهة أم خضوع ؟ ، المقدمة في القراءات وعلومها ، الإصابة في الإملاء والكتابة ، التنغيم ودلالته بين القدامى والمحدثين ، مطل أصوات اللين وتقصيرها في القراءات القرآنية ، القراءات القرآنية البداءة والنشوء ، المعجم التاريخي بين الواقع والمأمول ، المبرد والقراءات دراسة تحليلية ، القيم التربوية في المنظومات التجويدية ، الرد على أباطيل البحيري ، إبداع الدلالة عند باكثير ، كشاف الرسائل اللغوية في الجامعات المصرية ، سيمياء القصة القصيرة عند باقازي .
[1] – محمد مبارك الشاذلى محمد البندارى ، من محافظة قنا ، حفظ القرآن في سنّ مبكرة ، وكان الأول على أقرانه في الثانوية ، شيستخرج في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا، شعبك\ة اللغة العربية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ، وحصل على التخصص ” الماجستير ” في أصول اللغة العربية بتقدير ممتاز من جامعة الأزهر كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة عن أطروحته ” ديوان الحطيئة دراسة دلالية معجميّة ” ، والعالمية ” الدكتوراة ” بمرتبة الشرف الأولى بعنوان ” الفكر الصوتي والدلالى عند الصالحي الشامي في ضوء علم اللغة الحديث ” 2006 م ، يعمل حاليا عضو هيئة تدريس في جامعتى الأزهر وأم القري بمكة ، ومن أبحاثه العلمية : الغزو الثقافي عند القصيبي مواجهة أم خضوع ؟ ، المقدمة في القراءات وعلومها ، الإصابة في الإملاء والكتابة ، التنغيم ودلالته بين القدامى والمحدثين ، مطل أصوات اللين وتقصيرها في القراءات القرآنية ، القراءات القرآنية البداءة والنشوء ، المعجم التاريخي بين الواقع والمأمول ، المبرد والقراءات دراسة تحليلية ، القيم التربوية في المنظومات التجويدية ، الرد على أباطيل البحيري ، إبداع الدلالة عند باكثير ، كشاف الرسائل اللغوية في الجامعات المصرية ، سيمياء القصة القصيرة عند باقازي .
لذا فإنِّي أرى أن أسجّل للتَّاريخ والأجيالِ القادمة جوانب من صفاتِ الرَّجل الذى لقي ربَّه منذ أيَّامٍ .
كان – رحمه الله – سويّ السُّلوك صَافى النَّفس عفّ الخُلق ، لم تَشبْه شائبة ، ولم نعرف عنه ونحن طلابه في الدّراسات العليا في أُخريات القرن الماضي ما يشين ، حتَّى في أيامِ شبابه الأُولى ، كما أخبرنا بعض تلامذته في الصّفوف الأًولى في كلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة ثمانينيات القرن الماضي .
وكان – عليه من ربّه الرّحمة وله من خالقهِ الرّضوان – متواضعًا يعاملُ الكبير بتقدير ، والصَّغير بحنان فطرىٍّ غامر ، رغم حدّته وشدّته في الحقِّ ، وقد شهدَ له بذلك من كان له به صلة أو كان معه لقاء .
وكان الدكتور محمد المختار المهدى – كما عرفه محبّوه وشانئوه معًا – عفَّ الّلسان لا يلفظُ بذئَ القول نابي الكَلمة ، ولا يقسُو على أحدٍ – إلا من منطلق وقسا ليزدجروا – حتَّى ممن خالفونهُ في الفكرة ولا يرون رأيه ؛ ممَّا كان يكسبهُ محبَّة الجميع وتقدير الذين تجمعه بهم ندوات الفكر أو اللقاءات العلميّة .
وازدادَ الشيخ – رحمه الله – رقّة ً وهدأَت حدّته – وكانت حدّة محمودة لأنّها في الحقّ – بعد موت الدّكتور سحلول – رحمه الله – 2001م ، وكان د . سحلول خلوقًا متواضعًا محبوبًا من الجميع ، بعدما تولى وكالة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة بفترة وجيزة صلّى العصر وهو خارج من المسجد صدمته سيارة فمات فجأة ، وكان صديقًا للدكتور المختار المهدى ، فجاء حزينًا الشيخ د . محمد المختار المهدى على صديقه ، ورفيق دربهِ في العلمِ والعملِ .
لقد درَس الشيخ في جامعة الأزهر علوم اللغة العربية والبلاغة والمنطق والتفسير والحديث والفقه وسائر العلوم العربية والإسلاميّة ، وكان لها أثر بالغ في إثراءِ فكره ، وغزارة علمه ، وإن تخصَّص في اللغويات ، وهكذا ألمَّ الشيخ بالثقافة العربية والإسلامية ، وأخذ بطرف من الثقافة الحديثة عن طريق المترجمات التي كان لها أثر بارز في كتاباته ، وتسجيلاتِه الإذاعية .
وكان الشيخ د . محمد المختار المهدى شديد الصلة بكتاب الله – عز وجلّ – في أبحاثه الأكّاديمية ، فرسالته في العالمية ” الدكتوراة ” كانت بعنوان :” المصادر واستعمالاتها بالقرآن الكريم ” وتقدم بها لجامعة الأزهر ، كلية اللغة العربية بالقاهرة 1976 م ، ومن أبحاثه العلمية بحث في القراءات ومعنى السبعة ، وآخر عن أثر الدرس اللغويّ في فهم النص الشرعيّ .. إلخ .
وتميّز الدكتور محمد المختار المهدى كباحث أكاديميّ ، ومشرف علميّ على كثير من الأطروحات العلميّة الرصينة في اللغويات ( النحو والصرف والعروض ) داخل جامعة الأزهر وخارجها بالدّقة المتناهية ، وعرض المسائل اللغويّة دون تحيّز لمذهب أو مدرسةٍ ما ، ومن هذه الرسائل العلمية التي أشرف عليها خارج جامعة الأزهر :
بحث فى ظاهرة التقليب فى اللسان العربيّ ، للباحث / محمد سيد محمد على ، وهى أطروحة ماجستير في المعهد العالي للدراسات الإسلامية 2000م ، ومن الرسائل العلمية التى أشرف عليها في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة ، ” رسائل ماجستير” :
العلة النحوية عند أبي عليّ الشلوبيني ت 645هـ دراسة مقارنة / عبد الحليم عبده ، و العلل النحوية فى كتاب الخصائص لابن جني دراسة / إسماعيل جلال عبد الرحيم حسن ،
والتعدي واللزوم فى القرآن الكريم وأثرهما فى المعني / بشير حمودة محمد ،
وتعلقات ظرفي الزمان والمكان في القرآن وأثرها في المعني / أحمد الحسيني عبد الحليم محمد ؛ والآراء الكوفية في كتاب تذكرة النحاة لأبي حيّان الأندلسيّ دارسة نحوية تحليليّة/ عبد التواب محمد منصور على .
ومن رسائل الدكتوراة التى أشرف عليها : المسائل النحوية والصرفية فى كتاب نفائس الأصول فى شرح المحصول للقرافيّ المتوفى 684هـ عرض ودراسة / الضبع محمد أحمد عبد الرحيم
،واستدراكات ابن الحاجب وابن يعيش على الزمخشريّ في كتابه ” المفصّل ” دراسة وتحليل ومناقشة / بشير حمودة … إلخ .
ولقد عمل الراحل د . محمد المختار المهدىّ – رحمه الله – بجانب نشاطه الأكاديميّ على كتابة المقالات المتعددة ، وإخراج العديد من المصنفات اللغوية والدعوية ، وتميّز قلمه في المقال الدينيّ ، ذلك المقال الذى يهتم صاحبه بإبراز عاطفته الدينيّة نحو أمرٍ يمسّ العقيدة ، أو يتّصل بقضايا المجتمع ، فيكتب مقالا يبيّن عن رأيه فيما هو بصدده ، متسمًا أسلوبه بالتدفق الشّعرى نحو القيم الدينية ، والذبّ عنها ، والإخلاص بما تدفع إليه .
فلا ريبَ أن تجئ مقالات الشيخ في هذا اللون خاصّة على صفحات ” عقيدتى ” ، تحمل شيئًا كبيرًا من الصِّدق والإقناع ، ونقل مشاعر القارئ المُسلم .
وكان دائمًا – رحمه الله – يعمد إلى الأسلوبِ التقريريّ المباشر البعيد عن الخيالِ المجنح ، الملتزم بالعبارات الواضحةِ القصيرة ، مع صدق في المشاعر ، وعمق إيمان بما ذهَب إليه .
ونجد – أيضًا – بعض المقالات الفلسفية في مجلة الجمعيّة الشرعية ، وتميزت مقالاته الفلسفية بأنها مقالات رحبة متشعّبة متعددت النزعات ، فسّر فيها غامض بعض القضايا بلغة الأدبِ ، وأسلوب الأدباء . ، وكان الشيخ يعرض مادته بكل دقة ووضوح حتى لا يضلّ القارئ في متاهاتِ الموضوع ، وأحيانًا يقوم مقاله على تحليلِ للنفس والكون والمشاعر ، ولا غرو أن تأتى مقالات الشيخ بهذه الدّقة فقد عمل في بدايات حياته في مؤسسة صحفيّة مرموقة ومعروفة ، وهي مؤسسة أخبار اليوم ، قبل أن يُعين مدرسا مساعدا في كلية اللغة العربية بأسيوط ، ثم بالمعهد العالى للدراسات الإسلامية الذي أصبح فيما بعد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة .
وأما الأحاديث الإذاعية ، أو ما نطلق عليه – أحيانًا – تجاوزًا ” المقال الإذاعي ” وهو أشهر أنواع المقال الحديث ، وقد ظهر بعد انتشار الإذاعة والتلفاز ، ويقوم على تقديم البرامج والمشاهد والأحداث والمواقف ، يخاطب به جموع الشعب على اختلاف مستوياته ، فقد أبدع الشيخ في تقديمه للتلاوات القرآنية في إذاعة القرآن الكريم ن وتميّزت أحاديثه بأنها قصيرة ، وتحمل من المعاني أكثر تحمل من الألفاظ ، من غير عمقٍ ولا إيغال في صياغة المعنى ، وكان يتناول العديد من قضايا التفسير ، والقضايا المجتمعية ، بعبارة ميسرة ، وأسلوب واضح ، وهذا اللون يحتاج إلى قدرة في التعبير ومهارة في التَّصوير ليجذب المتحدّث المستمعين إليه ، وهذه القدرة كانت متوفرة في الدكتور محمد المختار المهدى ، وليس معنى ذلك أنه كان يحب الظهور في وسائل الإعلام- معاذ الله – ، ففي بدابة الألفيّة أخبرنا بأنه اعتذر لإحدى المحطّات التلفازية ؛ لأنها تطلب منه أن يقول شيئًا يراهُ مخالفًا للعقيدةِ ، وقال عقب الاتصال : ماذا عساي أقول ، في أمر يتعلق بالعقيدة ؛ لذا اعتذرت لهم .
وقد أدرك الشيخ أهمية الإذاعة والتلفاز في توعية المواطنين ، فأسهم في إلقاء عددٍ من الأحاديث في إذاعة القرآن الكريم ، والقناة الأولى المصرية ، وبعض القنوات الأخرى ، وأذكر أنَّ ” حديث الروح ” البرنامج المشهور قبل التاسعة بقليل، استضاف الشيخ أكثر من مرّة ، وكانت حلقاته مميزة ، كباقي حلقات البرنامج .
وأما مساهمات الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدى – رحمه الله – في إلقاء المحاضرات ، وهو فنٌّ من الفنون النثريّة التي ظهرت مع ظهور الجامعات والمعاهد والمدارس المختلفة ، والجمعيات العلمية والمراكز الشبابيّة ، فهي كثيرة ، وكان رحمه الله – كما نعلم – أستاذًا للغويات في جامعة الأزهر – كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة ، وكان يعرض علينا في محاضراته الحقائق العلميّة التى توصل إليها من خلال تجاربه وثقافته الواسعة الرّفيعة في التاريخ والشريعة والأدب ، وكان محبًّا للتراث ، يعتمد منهجه مع طلابه على تنوّع النّصوص وتقويمها من كتب التراث اللغوى ، فنقرأ فترة في ” مغنى اللبيب ” لابن هشام ، ونعيش معه ، ثم ننتقل إلى أمالي ابن الشجري ، وبعدها لا ضَير أن نسير بــ ” السنتيمتر” – كما يقال – ونحن نقرأ في كتاب سيبويه ” قرآن النحو ” … ، والشيخ دائمًا يحيلنا إلى كتاب نشأة النحو للشيخ محمد الطنطاوي ، والخزانة للبغدادي ، والمفصل لابن يعيش ، وكتب معانى القرآن للفراء والزجاج والنحاس ، والبحر المحيط لأبى حيان ، والدر المصون للسمين الحلبى … إلخ ، فقد كان من القلّة التى هضمت التراث اللغوي وعملت على إحيائه بين الطُّلاب في هذا العصر .
وكان الشيخ يمتاز بأسلوبه العلميّ الرَّصين الهادئ البعيد عن الانفعال والعاطفة ، وبالطبع لم تقف محاضرات الشيخ في أروقة جامعة الأزهر أو جامعة أم القرى بمكة المكرمة التى عمل فيها فترة من الزمن ، بل خرج في مطلع القرن الحالي لإلقاء محاضرات عن الدرس اللغوي وأثره في فهم النص ّالشرعي في الجامع الأزهر 2001م ، وكان يحضر مرةً في الأسبوع ، الساعة السابعة صباحًا ، ولا أعرف لماذا توقّف بعد ذلك .
وازداد نشاطه في إلقاء المحاضراتِ بعد توليه رئاسة الجمعيّة الشرعية ، وبهذا أسهم الشيخ في هذا الفنّ ، بإلقائه المحاضرات في الجمعيّات الشرعية ، والأنديّة ، وقد تنوّعت محاضراته حتى شملت الإعجاز العلميّ ، وهى محاضرة ألقاها في جامعة جنوب الوادي بقنا في مؤتمر الإعجاز العلمى سنة 2008م تقريبًا ، وفى هذه المحاضرة التي ألقاها على طلاب الجامعات والباحثين من جميع الجامعات دليل واضح على مستوى الثقافة والحريّة والإيمان وصدق العزم على رسالة البناء التى كان يتبناها الشيخ في حياته .
وقد بدت قوة الاعتزاز واضحة لدى المحاضر الذى أنصت الجميع لحديثه اللغويّ الممزوج بإبراز جزء من الإعجاز العلمي ّ ، في إيمانه بوجوب إعادت مقومات الأمة العربيّة من مبادئ الإسلام حتى يعود للأمّة مجدها الباسق .
وقد كان الشيخ د . محمد المختار المهدى – رحمه الله – موفقًا في محاضرته عندما ألقاها على مقدمات ونتائج احتكم فيها إلى الحقائق وعرضها بأسلوب علميّ هادئ ، وهو أسلوب المحاضر الناجح .
شيسبت